عظمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي وسلم على سيد المرسلين وصاحب الخلق الكريم محمد صلى الله عليه وسلم , وبعد:
إن سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم هي السيرة التامة الشاملة لجميع أطوار الحياة لذلك كانت أسوة اللذين اتبعوه.
ونحن نعلم أنه ما من أحد يصح أن يكون للناس أسوة تتبع و مثال يقتدى إلا إذا كان يتصف بالكمال والعظمة , ولا يكون كذلك إلا إذا كانت حياته معلومة للناس وبجميع أطوارها .
وحياة محمد صلى الله عليه وسلم من ميلاده إلى ساعة وفاته معلومة للذين عاصروه وشهدوا عهده , قد حفظها التاريخ عنهم لما بعدهم , فلم تمسها يد الضياع ولم تعبث بها عوامل الدهر , إلى درجة أن العالم كله يقف من ذلك موقف العجب من عظمته صلى الله عليه وسلم , حيث أنه يوم ميلاده صلى الله عليه وسلم انطفأت نار الفرس التي كانوا يعبدونها بعد اشتعالها دهورا طويلة , وسقطت أصنام المشركين وغابت النجوم ...ألا يدل هذا على عظمته صلى الله عليه وسلم .
ثم إن أعظم الناس إذا انقلب إلى بيته كان فيه رجلا من الرجال أما محمد صلى الله عليه وسلم فقد كان عظيما في كل مناحي حياته , اجتمعت في بيته عدة زوجات وكانت كل منهم في إذن من الرسول بأن تقول للناس في وضح النهار ما تراه , وهن في حل من أن يخبرن الناس في الساحات والمجامع بما يشاهدن منه ,فهل عرفت الدنيا رجل كهذا الرجل يثق بنفسه كل الثقة ويعتمد عليها إلى هذا الحد, ولا يخاف قالة السوء عنه من أحد, لأنه أبعد الناس عن السوء , وليس زوجاته فحسب بل كل من عاشره وعرفه إلا وشهد له أن خصال الخير كلها فيه من كرم وتسامح وتواضع وغيرها من الصفات والأفعال التي لا تعد ولا تحصى , ألا يدل هذا على عظمته صلى الله عليه وسلم .
هذا ما يعلق بذات الرسول صلى الله عليه وسلم أما ما تحلت به نفسه الطاهرة فلم تتحلى به نفس أحد منذ وجود البشر على سطح الأرض من دماثة الحلق ورجاحة العقل وحصافة الرأي وكرامة النفس وعلو الهمة وصدق القول ورحابة الصدر , ألا يدل هذا على عظمته صلى الله عليه وسلم .
ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقضي حياته كلها بين أحبابه وأصحابه بل قضى أربعين سنة من عمره في مكة قبل أن يبعث , فكان بين أهلها مشركي قريش يتبادل التجارة معهم ويعاملهم في أمور الحياة ليل نهار وما تنطوي عليه من أخذ وعطاء , و من شأنها أن تكشف عن أخلاق المرء
فتبين للناس فسادها وصلاحها , وهي عيشة طويل طريقها كثيرة منعطفاتها, وعرة مسالكها تعترضها وهدات مما قد يصدر عن المرء من خيانة وإخفار عهد وأكل مال بالباطل وعقبات من الخديعة وتطفيف الكيل ونجس الحقوق و إخلاف الوعد ...أما محمد صلى الله عليه وسلم فقد اجتاز هذه السبل الشائكة الوعرة وخلص منها سالما نقيا لم يصبه شيء مما يصيب عامة الناس ألا يدل هذا على عظمته صلى الله عليه وسلم .
لقد كان محمد دائما يذكر الله ويحمده ويسبحه في البكور و الآصال فإذا بدأ الأكل بدأ باسم الله , و إذا فرغ منه حمد الله وإذا جلس مع أحد كان التذكير بالله من عمله في ذلك المجلس و إذا نام ينام وهو يذكر ربه , ويستعرض آلاءه عليه فكأنك برؤية نبي السلام قد رأيت النبي صاحب الزبور في ترتيله محامد الله تعالى ونعمه , وكأنك ترى سليمان في جنوده حينما ترى محمد قد فتح مكة ودخلها تحت رايات المجاهدين , أما إذا رأيته وهو محصور في شعب أبي طالب وقد منع دخول الطعام والشراب إليه من الخارج فكأنك ترى يوسف وهو في سجن مصر , ألا يدل هذا على عظمته صلى الله عليه وسلم .
إن في الدنيا نوعين من المدارس , نوع يختص بفرع واحد من فروع المعرفة كالطب والهندسة وغيرها ...ونوع يجمع هذه المعاهد , أما مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم فقد كانت جامعة للناس على اختلاف أجناسهم وألسنتهم و ألوانهم وطبقاتهم و ثقافتهم , لقد كانت جامعة لكل العلوم والمعارف , ففيها قادة الجيوش وقضاة المحاكم وولاة المدن وثلة من العلماء وكان منهم أصحاب الصفة الذين لم يكن لهم بيت يأوون إليه إلا فناء المسجد وكان منهم الزهاد و النساك , ألا يدل هذا على عظمته صلى الله عليه وسلم .
عذرا يا رسول الله عذرا يا رسول الله إن مسك قرح فقد مس القوم قرح مثل , ثم إن قدرك عالي تحت حمى الإله , فلا أحد يستطيع اهانتك بل نحن من أهنا وانداس على قلوبنا , عذرا رسول الله عذرا رسول الله إن من أراد إهانتك لم يعرف مكانتك العالية لأنه لا يزال في ظلام دامس ولم يمسسه بعد نور هدايتك ورسالتك , يا رسول الله فداك روحي فداك أبي وأمي .
يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما .